عندما انتهى الله من خلق السماوات و الأرض، حشد جميع من كان معه في السماء من الملائكة و الجن فنبأهم عن نيته في إسكان الأرض بالبشر، قائلا لهم׃" إني جاعل في الأرض خليفة." فتعجب الملائكة لمثل ذلك الخبر فقالوا له׃" أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك!" فرد عليهم الله بقوله׃"إني أعلم ما لا تعلمون."
و لما وصل موعد خلق تلك الخليفة، حشد الله كل الملائكة و قال لهم׃ "إني خالق بشرا من صلصال من ﺣﻣﺈ مسنون. فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين".هكذا أحضر الله شيئا من الطين الأملس الرطب من كوكب الأرض – الذي كان قد أسكن أيام ذاك بوحوش عملاقة - فجعله على هيئة بشر. ثم اقتطع شيئا من ضلع هذا البشر فكون منه زوجا له. بعد هذا، نفخ الله فيهما من روحه فإذا هما حيان يتحركان. حينئذ، سجد جميع الملائكة إلا إبليس. فسأله ربه قائلا׃ "يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين ؟" فردّ عليه إبليس بقوله׃"أنا خير منه، خلقتني من نار و خلقته من طين".
هكذا، بسبب تكبره و عصيانه لأمر خالقه، عزم الله على طرده من السماء. " فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها، فاخرج انك من الصاغرين و إن عليك اللعنة إلى يوم الدين !" دمدم الله عليه. لكن إبليس، بدل الرحيل فورا، طلب من خالقه أن يمهله إلى يوم القيامة. "أنظرني إلى يوم يبعثون" قال له ظنا بأن الله لا يعلم ما يسر. فلبى الله طلبه ممتحنا إياه ׃"انك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم". حينئذ، عارفا بأن الله لا يخلف وعده، راح إبليس يكشف عن نيته ׃" ربﱢ بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض و لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين." فقال له الله ׃" هذا صراط علي مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين و إن جهنم لموعدهم أجمعين."
ثم التفت الله إلى آدم فقال له׃" و يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة فكلا من حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين". هكذا دخل آدم و زوجه الجنة و سكنا فيها في انتظار موعد ارسالهما إلى الأرض. و كان إبليس، الذي كان قد وعده الله بالحياة إلى يوم البعث، قد سبقهما إليها ليأمرهما بعصيان خالقهما.
ثم ذات يوم، أراد الله أن يعلم آدم ما لم يكن في علم الملائكة ليثبت لهم سعة علمه. و بعد أن تم ذلك، عرض الله على الملائكة ما كان قد تعلم آدم تسميته و قال لهم׃" أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين." فقالوا׃" سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، انك أنت العليم الحكيم". لذلك أمر الله آدم أن يسميهم لهم. و لما فعل، نظر الله إلى الملائكة و خاطبهم׃" ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون؟"
كان آدم و زوجه يعيشان حياة سعيدة في الجنة، إذ كانا لا يعرفان لا المرض و لا الملل و لا الجوع و لا العري. لكن ذات مرة، بينما كانا قرب الشجرة المحرمة، وسوس لهما الشيطان׃" ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.(قسما بالله) إني لكما لمن الناصحين". فمد آدم و حواء يديهما و قطفا ثمرة تلك الشجرة. و لما ذاقاها ظهرت لهما سوءتهما فأخذا يغطيانها بورق الجنة. في تلك اللحظة، نادهما ربهما׃" ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ فأجاباه׃" ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين". هكذا، نتيجة اعترافهما بذنبهما، غفر الله عصيانهما إياه، إذ لم يرمهما في جهنم التي أعدت للمذنبين. لكن من جهة أخرى، عزم على طردهما و الشيطان من الجنة فورا فقال لهم׃" اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين".
في رمشة عين، وجد آدم و حواء نفسيهما على سطح الأرض. فورا، بدءا يتفحصان البقعة التي هبطا فيها، ثم راحا يتجولان من مكان إلى آخر كمكتشفان يبحثان عن أثار لحضارة ما. و بينما كانا كذلك، لاحظا بأن هناك أوجه التشابه بين الجنة و الأرض، إذ أن في هذه أيضا أشجار و نباتات و أنهار، غير أن جنة الدنيا لا تساوي جنة السماء لا في الجمال و لا في وفرة الرزق. هنالك تأسفا أكثر لعصيانهما لله و أقسما جهد أيمانهما بأن يكونا له مخلصان إلى الأبد انتقاما من إبليس الذي أزلهما.
واصل آدم و زوجته رحلتهما الاستكشافية في ما يشبه غابة الأدغال نظرا لكثافة الأشجار و النباتات فيها. و كانا كلما توقفا عند شجرة مثمرة حيث يستلزم منهما تسلقها بعناء لقطف ثمارها، يتذكران أشجار الجنة السماوية الدانية قطوفها، مما يزيد من حجم ندمهما على الاستجابة لوسوسة الشيطان الذي أخرجهما منها قبل الأوان.
و عندما أحسا كلاهما بتعب، أويا إلى شجرة باسقة و استلقيا تحت ظلها. كان الجو حارا ذلك اليوم، مما جعلهما ينظران بتأمل من بين الأغصان إلى ذلك السراج المعلق في السماء و الذي لم يريا مثله في الجنة العليا. و بينما كانا يتأملان جنبا إلى جنب، أخذهما النوم و لم يستفيقا حتى قرابة منتصف الليل. حين فتحا عينيهما، وجل قلبيهما من الخوف و أخذ يتشبث كل واحد منهما بالأخر: لقد اختفى ذلك المصباح ولم يبق في السماء الا قريصات براقة، مما جعل الدنيا غامرة في الظلمة حتى يكاد لا يعد يميز شيء على وجه الأرض. و لعل ما زاد من خوفهما درجة هو ذلك الصوت الغريب الذي يأتي من بعيد و تلك الخرخشة التي يسمعانها عن قرب منهما.
مكث آدم و حواء في مكانهما يدعوان الله بأن يحفظهما من شر تلك الليلة. و بينما كانا يتفحصان السماء من تحت الشجرة طمعا من رؤية ملاك من ملائكة الله يأتي لنجدتهما، لاحظا قرصا أبيضا يخرج ببطء شديد من وراء الأفق. انه القمر. و كان كلما ارتفع، زاد نوره ضياءا للأرض، مما ساهم في بعث الاطمئنان في قلبي الخائفين اللذين لازما مكانيهما، رغم ذلك، حتى بزوغ الشمس من جديد. حينئذ، خرجا من مأواهما و هما ينظران إلى السماء و يشكران الله و يحمدانه على اخراجهما من ظلمات الليل إلى نور النهار.
كان الجوع قد قطع أحشائهما في ذلك الصباح، إذ لم يأكلا يوم هبوطهما إلا بضع فواكه برية تحصلا عليها بعد جهد جهيد. لهذا، كان أول شيء فكرا فيه هو البحث عن الطعام و الشراب.
كانت معظم الأشجار ضخمة و عالية، أما الصغيرة منها فكانت شائكة، مما يستدعي من البشرين إيجاد وسيلة للوصول إلى ثمارها. فكر آدم قليلا ثم تدانى نحو الأرض و أخذ يبحث هنا و هناك بين الحشائش الكثيفة. عندما قام، كان قد جمع عددا من الأحجار. أعطى بعض منها لزوجته و طلب منها أن تفعل مثله. رمى آدم حجرته الأولى نحو أغصان الشجرة فتساقطت الثمار. مقتدية بزوجها، رمت حواء بحجرتها فتساقط المزيد من الثمار. ثم واصلا على نفس المنوال حتى نفذ ما عندهما من الأحجار فهما الى جمع الثمار. لسوء حظهما، لم يتمكنا من جمع الا القليل، اذ أن معظم الثمار اما تضررت بضربات الأحجار أو ضاعت في وسط الحشائش الكثيفة. يائسان، جلسا في المكان نفسه و أخذ يأكلان ما كتب لهما الله من الرزق.
استراحا قليلا ثم أمر آدم زوجته أن تتبعه فتوجها معا الى المكان الذي كان يأتي منه خرير الماء. بعد جهد كبير تطلبه المشي وسط النباتات و الأشجار الكثيفة، وصلا الى ضفة نهر عظيم. هناك تذكرا أنهار الجنة السماوية حيث كانا يشربان ماءا و عسلا و حليبا نقيا، فازدادت حصرتهما عما أضاعا و ازداد غيظهما على الشيطان.
اتكأ البشريان على ركبتيهما ليشربا، لكن ما إن لمست شفتيهما الماء حتى اهتز النهر بكامله و كأن شيئا ما سقط فجأة فيه. بكثير من الرعب، رفع آدم و حواء رأسيهما فإذا بهما أمام تمساح عملاق. كان الله قد علم آدم أسماء و طبائع مثل تلك الحيوانات. لذا، بمجرد رؤيته لذلك المخلوق الذي لم يظهر من جسمه إلا الجزء العلوي، عرف آدم بأنه خطير جدا، فأمسك زوجته من اليد و هرب بها بعيدا عن النهر. فكانت تلك المفاجأة المرعبة مفيدة جدا للزوجين، إذ تذكر آدم بفعلها بأن الأرض آهلة بوحوش مفترسة يجب الاحتراس منها. و كان أول ما خطر في باله كإجراء استعجالي ليجنب لنفسه و أهله الوقوع ضحية لتلك الوحوش، هو صنع سلاح ثم إيجاد ملجأ آمن.
فورا، سارع آدم إلى شجرة متوسطة العلو كانت بقربه فتسلق حتى وصل الى مجموعة من الأغصان الطويلة و المستقيمة فانتقى منها عصا غليظة ثم، بواسطة حجر الصوان كان قد تحصل عليه من كمة من أحجار غير بعيدة عن مكان تواجدهما، جعل أحد طرفيها حادا كالرمح. بعد هذا، جلس آدم على صخرة صغيرة تحت الشجرة يتأمل كيف يصنع مأواهما. فجأة آتته فكرة بناء مسكنهما في المكان نفسه: لقد تصور صورا، مكونا من أحجار و أعمدة خشبية ثقيلة، يحيط بالشجرة و يحميهما من الوحوش و تكون أغصان هذه الشجرة بمثابة سقف يحميهما من الشمس.
حالا، طلب آدم من امرأته بأن تساعده على جلب الأحجار و الحطب إلى ذلك المكان. بعد أن انتهيا من هذه المهمة الشاقة، بدأ آدم العمل وفق الخطة التي رسمها له الله في ذهنه. في ظرف ساعات قلائل، أنجز المسكن و استقر الزوجان فيه. و بينما كانا بالداخل، أحسا بسعادة و اطمئنان كبيرين فخرا ساجدين لربهما عرفانا بما وفقهما فيه حتى الآن و داعيان إياه بأن يكون لهما عونا في هذه الدنيا المحفوفة بالمخاطر.
مرت الأيام ثم الأشهر فتعلم الآدميان الكثير مما ينفعهما في دنياهما. إذ أصبحا الآن يعرفان كيف يصطادان الحيوانات الصغيرة و يأكلانها مشوية على النار التي يقتبسانها من الحرائق الطبيعية كتلك التي تسببها الصواعق. هذا، و لقد اكتشفا أيضا بأن بعض النباتات لها جذورا صالحة للاستهلاك، فتعودا على التزود بها بكثرة كلما دلتهما أوراقها، التي احتفظا بشكلها و لونها في ذاكرتهما، على مكان تواجدها.
و ذات يوم – بعد مرور عام تقريبا على وجودهما على كوكب الأرض – و بينما كان الزوجان مستلقيان في مأواهما، أحست حواء بشيء يتحرك في بطنها المنتفخ، ففزعت إلى حد إفزاع زوجها، خاصة عندما رأى هذا الأخير بعينيه ما كان يجري في جسد امرأته. كان آدم يحس من حين إلى أخر بجاذبية عظمى تجاه زوجته، مما كان يدفعه إلى إتيانها دون أن يعلم نتيجة ذلك الفعل. لهذا السبب، كان يضن بأن إبليس هو الذي مس زوجته بسوء و كذلك ظنت هي. لذا استنجدا بخالقهما فأرسل الله إليهما ثلاثة من رسله – جبريل، ميخائيل و اسرافيل – ليطمئنوهما و ليبشروهما بولادة غلام لهما.
حوالي شهرين بعد هذه الحادثة، ولد لآدم و حواء طفلا ذكرا فسماه قابيل. بعد مرور أقل من حول عن ولادة قابيل، أنجبت حواء ذكرا آخرا فسماه هابيل. ثم تلاهما أطفال كثيرون فكبروا و تكاثروا حتى أصبحت اليوم عائلة آدم تعد بالملايير.